أرجو ممن يقرأ هذه التدوينة أن يضع العنوان دائما في باله، فأنا لا أتحدث هنا على الحتمية التاريخية التي ستؤدي إلى حدوث ما أكتب، فأنا لم أكن أبدا من المؤمنين بالحتمية في كل ما يتعلق بالبشر، وأثق بأن البشر دائما ما يذهلونا بقدرتهم على التبدل والتطور، كما لا أدعي أنني ابتدع ما أقول، فكثيرين تكلموا عن خلق العدو البديل والمخططات الأمريكية للمنطقة، وإن كان فرج فودة هو أول من قرأت له في هذا الموضوع، ولكنه بالطبع رحل قبل أن يرى التطورات الكبرى في هذا العالم المجنون
عموما فأنا قمت بمراجعة كرتي البلورية ورأيت فيها ما أزعجني عن عالمنا الحالي والمستقبلي فقررت ألا اكتم ما رأيته وأشارككم تخاريفي وتخاريف كرتي المجنونة
وقبل أن أبدأ أحب أن أوضح أنني أتحدث عما أرى العالم يتجه إليه وليس ما أتمنى أن يكونه، وبالنسبة لمستوانا المحلي فلم أستطع أن أفكر فيه ربما لأن أمنياتي في أن نقوم بالتغيير تفوق ما أستطيع أن أتوقعه، ولكن حتى برغم أمنياتي فانني لا أتوقع أنه إذا تم تغيير حقيقي في مصرنا فان ذلك سيؤثر على مسار الأمور سواء في العالم أو حتى في منطقتنا الاقليمية
فعلى الرغم من أنني أعتقد ان مصر تمتلك القدرات على أن تكون قوة اقليمية مؤثرة، وإن المرحلة التي نمر بها الآن هي مرحلة تغيير كبير على المستوى العالمي، إلا أن الأوضاع الحالية تبشر أن اللحظة التاريخية ستمر بدون أن تكون لدينا الفرصة على أن نقوم فيها بالدور الذي قد نتمنى أن نقوم به
كتبوا في السابق أنه بعد مراحل الصراع الكبرى فانه تحدث إعادة لتوزيع الأدوار بين القوى المختلفة عبر العالم كما يعاد رسم الخرائط تمهيدا للمرحلة الجديد. في مصر لسنا معتادين كثيرا على فكرة إعادة رسم الخرائط، فبالرغم من أن تاريخنا طويل مع الاحتلال - سواء كنا خاضعين له أو أخضعنا غيرنا له - فان خريطة مصر تأثرت كثيرا بوجود حدود طبيعية مؤثرة من الأربع جهات، ولكن ذلك لم يكن الوضع مع باقي دول العالم وحتى ليس حقيقيا بالنسبة لمصر، فبالرغم مما نقول أنه ثبات لخريطة مصر كاقليم فانها كدولة أو جزء من دولة تغيرت كثيرا
وصلتني منذ بضعة أيام خريطة جديدة للشرق الأوسط يتناقلها الناس عبر البريد لا أعرف بشكل واضح من رسمها وما هي دوافعه لهذا الرسم سواء كان توقع أم تمني، وإن كنت لا أوافق عليها في الحالتين، فانني سأنشرها لمجرد دعوة الناس في التفكير إلى ما هو توقعهم - أو أمنياتهم - للخريطة الجديدة، التي من المتوقع أن "تستقر" خلال القرن الحالي
هناك بعض القوى مثل أمريكا واسرائيل تدرك هذه اللحظة التاريخية التي نمر بها وتسعى بكل قوتها أن تحقق أكبر استفادة ممكنة في فترة التحول قبل استقرار الأوضاع وكذلك ضمان أن يكون مسار الأمور في صالحهم لمدة طويلة قادمة
*******
كما قلت فإن الخريطة السابقة لا تعبر عن رؤيتي لما يتجه العالم إليه ولكني أرى أنها تثير التفكير في أمر نميل كثيراً إلى اعتباره من الثوابت وننسى أنه عبر التاريخ كان دائما من المتغيرات، وسأحاول هنا أن أقدم تصور لخريطة أخرى
الأوضاع الحالية للعالم - بعد سقوط الاتحاد السوفيتي - وانفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم لا توحي بأي شكل من أشكال الاستقرار مما يجعلها مرحلة انتقالية لابد وانها ستتبدل عن قريب، وتعرف ذلك أمريكا مثلما يعرفه الجميع
الاتحاد الأوربي الذي كان حليفا دائما للأمريكان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أصبح أكثر رغبة في التمرد، وبرغم المحاولات البريطانية المستميتة على ابقاء أوربا حليف للولايات المتحدة، بدافع تحقيق التوازن بينها وبين التحالف الفرنسي الألماني في زعامة أوربا، إلا أن باقي دول الاتحاد تحتاج إلى دافع أكبر من الدافع البريطاني خاصة بعد انتهاء أهمية أمريكا كمدافع ضد الغزو الشيوعي من الشرق وضد القوة العسكرية لجارهم الاوربي السابق الذي انهار تاركا بقايا دولة لا يمكنها أن تشكل خطرا على أحد في المستقبل القريب، بالإضافة إلى أن مصانع السلاح الأمريكية التي تمثل عنصر رئيسي في الدخل القومي الأمريكي ومعامل أبحاثها العسكرية تحتاج إلى وجود صراعات دائمة ورغبة عالمية في تطوير الكثير من الأسلحة وإلا فإن الاقتصاد الأمريكي سيعاني من الكثير من المشاكل، وعليه كان يجب أن يتم رسم عالم جديد يسوده صراع جديد يحتاج إلى المزيد والمزيد من القوى العسكرية والدول المحتاجة إلى الحماية العسكرية
والاقتصادية والسياسية من دولة عظمى تمتلك الكثير من الإمكانيات لمساعدة الأخرين الذين يقدمون لها احتياجاتها من الأسواق ومناطق النفوذ والدعم السياسي
لا أميل إلى إدعاء البعض أن المخابرات المركزية هي التي خلقت العدو البديل بمساندتها الخفية لثورة الخميني ووقوفها المريب في موقف المتفرج على سقوط الشاه الذي كان أقوى حلفاءها في المنطقة، ولكنني لا أستطيع أن أنكر أنهم قد استثمروا هذه الثورة وما تبعها للمساعدة في تكوين العدو البديل
إن الثورة الإسلامية بديل حقيقي قوي للحركة الشيوعية الراحلة، أصبح من المقبول عالمياً أن ينظر للثورة الإسلامية على إنها عدو يستحق أن تحسب الحسابات لمواجهته بل وإعداد العدة اللازمة أيضاً، ليس من الواضح إن كانت إيران ستظل تمثل الزعيم العالمي البديل أم أنه سيتم الانتقال إلى أن يكون تنظيم القاعدة هو البديل
لكل منهم حسناته وسيئاته فإيران يمكن أن يتم التركيز عليها على أنها العدو القوي بصفتها دولة كبيرة تمتلك ثروات بترولية تساعدها على الاستقلال بالإضافة إلى أن امتلاكها للسلاح النووي سيكون إعلان عالمي قوي على مدى خطورتها على السلام العالمي وفي ذات الوقت إعلان عن قوتها بما يمنع الأخرون من محاولة الدخول في مواجهة معها، ليس فقط لأنها تمتلك السلاح النووي ولكن لأنها تمتلك البعد الثوري الذي يعطيها القدرة على استخدامه، لذلك أعتقد أن المعركة المفتعلة حول سلاحها النووي ستظهر لنا الدور المرسوم لها، فإن استمرت في لعب لعبة (ما تقدرش) بينما الولايات المتحدة لا تقوم بأكثر من التلويح بتهديدات جوفاء ويستمر ذلك إلى أن نستيقظ على إعلان إيران لامتلاكها للسلاح النووي فإن ذلك يعني أنه قد كتب لها أن تكون زعيمة المعسكر الجديد الذي يشكل الخطر على السلام العالمي وعلى مسيرة التقدم في العالم والتي تمول الثورات (الإرهاب) عبر أنحاء العالم المختلفة
أما إن انتهت مسرحية السلاح النووي بالسيطرة على قدرات إيران النووية أو حتى بضربها عسكريا أو احتلالها، فإن ذلك يعني أن تنظيم القاعدة سيصبح هو الزعيم الجديد وهو يمتلك امتيازات مختلفة عن إيران فهو العدو الخفي الذي يضرب في أي مكان وفي أي وقت، عدوه هو كل حكومات العالم ومن خلفهم كل شعوب العالم الذي يمكن أن يقتل أي أفراد منهم في أي لحظة على يد مقاتلي القاعدة، ومحاربتهم تحتاج إلى إعداد عسكري وأمني على درجة عالية من التنظيم والأهم أنها تحتاج إلى درجة أعلى من التنسيق والتنظيم التي تتطلب رعاية أجهزة أمنية عليا شديدة التعقيد مما قد يشكل خطر حتى على نمط الحياة والحريات في الدول الغربية نفسها وبهذا يشعر الجميع بالخوف الدائم من التعرض للضربات في أي وقت
وإن كانت القاعدة تمثل بديلا للنظام الإيراني في حال فشله، فإن نجاح الأخير لا يعني بالضرورة اختفاء القاعدة ولكن استمرارها يشكل دعما للنظام الثوري في إيران
وكما نجح النظام الجديد في إقناع العالم الغربي بأن الإسلام يشكل الخطر على نظام حياتهم وأنه متمثل في إرهابيين متعطشين للدماء، فإنه أقنع كذلك "مليار" مسلم بأن العالم واقف ضدهم ويعمل ضد مصالحهم ويرغب في تدميرهم، ومع انتشار الجهل في الدول الإسلامية يصبح الدين هو المحرك الرئيسي لهذه الشعوب وبالتالي القادر ببساطة على تحريك الناس لتقديم حياتهم أو لقتل الآخرين إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك، أو إذا ما دعاهم زعماءهم لذلك، لا حاجة لهم أن يعرفوا حقيقة ما يحاربون لأجله ولكنهم مستعدين لتقديم حياتهم في سبيل ذلك، دائما ما أتذكر قتلة فرج فودة الذين لا يمكن أن يكونوا قد قرأوا له حرفا أو من حاول قتل نجيب محفوظ وهو لا يعرف شيئا عن كتاباته
************
لنبدأ الحديث بجيراننا الأقرب
اسرائيل: قامت اسرائيل على أساس إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين ، كما كان واضحا في قرار الانتداب الصادر من عصبة الأمم، وإن كانوا سيقيمون دولة على تلك الأرض فكان من أولوياتهم تفريغ الأرض من السكان غير اليهود مسلمين كانوا أم مسيحيين لتصبح الدولة خالصة لهم (من البحر إلى النهر، وذلك بعد أن تم استقطاع مملكة شرق الأردن في مرحلة سابقة، والمعروفة الآن باسم المملكة الأردنية الهاشمية) كما كان للبعض منهم تصور أن ذلك سيكون نواة انشاء اسرائيل الكبرى التي ستكون من النيل إلى الفرات في مراحل لاحقة، ولكنني أعتقد أن الانتفاضة الأولى والثانية كان لها تأثير قوي في اقناعهم بأن هذه الفكرة غير قابلة للتطبيق فلا يمكنهم أن يحصلوا على فلسطين كاملة وأنهم لن يستطيعوا ببساطة أن يتخلصوا من الشعب الفلسطيني عن طريق إذابته في الأردن وباقي الدول العربية كما كانوا يحلمون، وأعتقد أن الفكر الاسرائيلي بصفة عامة قد وصل إلى قناعة أنه لا حياة له إلا بقبول فكرة الدولتين، بالطبع هناك منهم من يصارع الفكرة ولكنني أعتقد أنها أصبحت الأكثر قبولا هناك الآن، وهو ما جعل الحكومات المتعاقبة تسعى بقوة للسيطرة على المناطق الفلسطينية ولكن من الخارج هذه المرة، بمعنى أنهم يسعون لتدمير القوى المعارضة الفلسطينية لفكرة الدولتين ولكنهم يحاولون أن يدمروا قدراتهم مع الحفاظ على "أرض اسرائيل" خارج الصراع، يركزون على القوى الاسلامية التي يعرفون أنها ستكون لها شأن كبير في السنوات القادمة، ولم يكتفوا فقط بالمقاومة الفلسطينية ولكنهم تحركوا لتأمين الحدود الشمالية بمحاولة إبعاد حزب الله عن حدودهم لأقصى ما يستطيعون، الجبهات الأردنية والمصرية مؤمَََََََََنة ولا توجد مشاكل تذكر، ولكنهم يتهربون من التفاوض مع النظام السوري، الذي يعرفون أنه أصبح "يلعب في الوقت الضايع" احتمالات استمراريته ضعيفة، هو سيستفيد من الحوار معها أكثر مما ستستفيد هي، وهو يعرف أنه لا يقوى على محاربتها فلا خوف منه، وعليها أن تنتظر لترى من سيحكم هناك لتتفاوض معه
وتحاول اسرائيل أن تسرع عملية الوصول إلى حل نهائي قابل للاستمرار ليس فقط لتحقيق الأهداف الأمريكية بجعل القوى الاسلامية المحلية تحت السيطرة، ولكن لهدف اسرائيلي وهو أن تستقر أوضاعهم على الوضع المقبول لديهم قبل احتدام الصراع العالمي ضد الاسلاميين وتصبح هي في خط المواجهة الأول، الاسرائيليون يريدون أن يجلسوا في مقعد الأوربيين بعد الحرب العالمية، مقعد الجندي المنهك من الحرب الذي أدى واجبه لصالح القوى العظمى ومن حقه أن يحصل على استراحته المستقرة مع معرفة الجميع بأنه يمتلك القوة على فرض ارادته وقتما أحب، وبالطبع وعلى الأسلوب الاسرائيلي الذي يحاول دائماً الحصول على أقصى ما يستطيع فإنهم يحاولون إعادة رسم الخريطة لتحقيق أقصى منافع ممكنة سواء عن طريق جدار الفصل الذي ينتزع الكثير من أراضي الضفة الغربية أو عن طريق التبجح فيما يتعلق بالحدود السورية ليحصلوا على مساحة أكبر من الأرض وربما المياه
فلسطين: المرجح أن تقام دولة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، بالطبع هذا الأمر لن يتحقق بسهولة خصوصاً مع وجود قوى إسلامية تحاول إفشال كل المحاولات الهادفة إلى هذا الوضع، ويساعدهم في ذلك فساد رجال فتح الذين يمثلون البديل القابل للمنافسة معهم، ولكن الرهان على أن القمع العسكري القوي للقوى الاسلامية ووجود بديل - وتظل فتح المرشح الأول - يستطيع استخدام المساعدات والمساندة الدولية بشكل يحقق تنمية اقتصادية حقيقية فان احتمالات قبول الشعب الفلسطيني لهذا الوضع تصبح مرتفعة
المشكلة الأكبر في استقرار الوضع ستكون في قطاع غزة، فهل ستستطيع الدولة الفلسطينية الوليدة أن تحقق تنمية حقيقية في القطاع؟ مع الأخذ في الاعتبار الفصل الجغرافي بين الضفة والقطاع والذي سيشكل تحديا حقيقيا للدولة الجديدة إن لم تستطع الدولة إيجاد صيغة مقبولة للربط بين الضفة والقطاع فان القطاع سيصبح مرشحا للمزيد من القلاقل سواء للدولة الفلسطينية أو لدول الجوار: اسرائيل ومصر
كردستان: تمتلك كردستان العديد من العوامل التي تساعدها ليس فقط على الاستقلال ولكن على بناء دولة قوية، وعلى إثارة الكثير من المشاكل في منطقتها، مشاكل تسيل لعاب الإدارة الأمريكية لتساعدها وتؤازرها في صراعها - المرجح أن يكون عسكريا - مع دول الجوار. تمتلك كردستان الكثير من العوامل التي ترشحها لأن تكون اسرائيل القرن الواحد والعشرين، تمتلك ثروات طبيعية كبيرة من الأرض الزراعية إلى المعادن الكثيرة والبترول، ويجري حالياً بناء كردستان العراق بشكل قوي وسريع لتكون نواة الدولة الجديدة، تبنى هناك الآن المطارات ومراكز الأبحاث المتقدمة والجامعات في ذات الوقت الذي تندلع فيه حرب طائفية بين السنة والشيعة بباقي مناطق العراق (دون أن يقترب أحد من الأكراد وكأنهم لا ينتمون لا للسنة ولا للشيعة)، وفي الوقت الذي ستنهار فيه العراق تحت وطأة الحرب الأهلية - والتي ستكون المبرر القوي للرأي العام الأمريكي للضغط على حكومته للانسحاب من العراق - سيكون في استطاعة كردستان أن تعلن استقلالها وتستولي على مساحة هامة من الأراضي العراقية التي تحتوي على مخزون بترولي هام، وعلى الرغم من أن الصراع مع العراق - وربما باقي الدول العربية من خلفها - سيتسمر مدة طويلة، إلا أنه سينشأ عدد أخر من الصراعات مع باقي الدول المحيطة وهي سوريا وإيران وتركيا
متوقع أن تكون سوريا الهدف الأول بسبب ضعفها - مقارنة بالاثنين الآخرين - وستكون فرصة لإضعافها أكثر وتدمير أحلامها في تحقيق سوريا الكبرى مما يزيد من ضمان أمن اسرائيل
أما الصراع مع تركيا فهو مسمار جحا الذي سيكون مؤجلا بحسب العلاقات بينها وبين أوربا وبين الولايات المتحدة وأوربا، فإذا ما انضمت تركيا للاتحاد الأوربي يصبح صراعها مع كردستان وسيلة لضغط على الأوربيين متى دعت الحاجة
ثم يأتي الصراع مع إيران الذي هو عملية الاستنزاف التي يضمن بها الأمريكيون السيطرة على حجم القوة العسكرية الإيرانية والأداة التي تستخدم لتحطيم تلك القدرة متى كان ذلك مطلوبا
روسيا: الدب الجريح الذي لا يقوى على أية مشاركة في الصراعات الحالية لن يستمر طويلاً في ذلك الضعف، ولكنه سيسترد الكثير من قوته قريباً نظراً لما يملكه من الأساس اللازم لقيام دولة عظمى، سيعاني الروس لفترة حتى يستطيعون السيطرة على بقايا تركة الاتحاد السوفيتي من فساد وبعد عن نظام السوق، ومن المرجح أن تكون عودة الروح لروسيا دعما للاتحاد الأوربي أكثر من دعم للولايات المتحدة أساساً بسبب العوامل النفسية، وهنا تكون هناك فوائد للتدخل الأمريكي المستمر في باقي دول الاتحاد السوفيتي السابق والذي يضمن ألا يتجهوا مرة ثانية للتحالف مع الروس بما يمد النفوذ الأوربي للسيطرة على مساحات متسعة من آسيا، ولكن من غير المتوقع أن تشكل روسيا أي مساندة للمعسكر الإسلامي، وستحاول أن تظل على الحياد إلى أقصى ما تستطيع، ولكن توريط الاتحاد الأوربي في الصراع سيدفع روسيا للوقوف في المعسكر المعادي للاسلاميين
الصين والهند: قوتان تمتلكان الكثير من مقومات القوى العظمى والتي ترشحهم لدور قوي ومؤثر على الساحة العالمية، وقد اختاروا طريق النمو الاقتصادي قبل الدور العالمي، هما يعرفان أنهم يمتلكان العديد من المشاكل الداخلية القادرة على إجهاض أي محاولة منهم للوقوف في وضع القوة العظمى، تحدياتهم الاقتصادية والسكانية لاتزال كبيرة، صحيح أن الصين مثلا أصبحت من أكبر القوى الاقتصادية على مستوى العالم ولكنها لا تزال في ذات الوقت تمتلك الكثير من عوامل الضعف والفقر، إن الحجم هو العنصر الرئيسي الذي يظهر قوة الصين والهند ولكن قوتهم النسبية لعدد السكان لديهم لا تزال ضعيفة، صحيح أنهم يحققون معدلات تنمية غير مسبوقة، وصحيح أن الهند تمهد لتصبح رائدة في مجال البرمجيات حتى أن العلماء الهنود العاملين في الولايات المتحدة وأوربا قد بدأوا موجة هجرة عكسية إلى الوطن الأم، وصحيح أن صناعات الصين أخذة في السيطرة على الأسواق العالمية، ولكن لايزال الفقر والفساد والمشاكل السياسية لم تحل بعد وأعتقد أنها ستأخذ منهم وقتا ليس بالقليل، لذا فعلى الرغم من كل ما يقال أن القرن القادم سيكون قرناًَ أسيوياً فلازلت أتشكك في هذه الرؤية، نلاحظ أن كلا من الصين والهند تتجنبان إلى حد كبير الدخول بشكل مؤثر في أي صراع عالمي، إلا إذا مس مصالحهم المباشرة
بالطبع الوضع الآسيوي يحتاج إلى المزيد من المراقبة فأي أحداث تحدث هناك قد تغير من كل التنظيم العالمي ولكن إن استمرت الأحوال على مسارها الحالي، فإن القرن الآسيوي قد يتأخر قرناً أخر، أي أنه لن يأخذ وضعه الحقيقي إلا في مرحلة الصراع البعد القادم
وتحسباً لأية تطورات تحدث هناك - وكذلك ما يحدث في روسيا - فإن القوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان تصبح قريبة من أية أحداث هناك ومركز استطلاع متقدم. إن النظر إلى موقع أفغاسنتان وجيرانها المحيطين بها من جميع الجهات يوحي بأن الأمريكان قد وضعوا أنفسهم في موقع غاية في الأهمية من غير المرجح أن يتركوه إلا بعد مرور زمن طويل جداً
أمريكا الجنوبية وافريقيا: لا تزالان في مراحل الصراع مع النفس الذي لا يبدو أنهم سيحققون فيه شئ في القريب العاجل، ويظل أمامهم الكثير ليحققوه
العالم العربي: والذي سيكون جزء رئيسي في الصراع القادم، وقد يكون قلب الصراع في أحد مراحله، فلا شك أنه سيتأثر بكل ما سيجرى ولكن من غير الواضح إن كان سيستطيع أن يحقق مكاسب حقيقية من هذه المرحلة، سيكون محكوماً عليه أن يكون في المعسكر الخاسر، وسيحاول بعض سكانه أن يخرجوه من هذه الدائرة، سواء تحت دعاوى التقدم أو العروبة أو ماشابه، ولكن إن نجت دولة أو اثنتان من الفخ فمن المتوقع أن يغرق الباقون، وخاصة أن التنمية البشرية الحقيقية لن تكون محبذة في ظل محاولة تسليم السيطرة لحكم ديني
كما قلنا من البداية كل ذلك تخاريف وهلوسة لن يكتب أن يتحقق أي شئ منها ... قولوا آمين